Friday, May 13, 2016

رسالة الى رئيس التحرير


السيد رئيس التحرير : هناك شيء اسمه اخلاق الصحافة 

قرأت بتمعن مقالتك " لا يوجد شيء اسمه اخلاق الصحافة"، وللأسف الشديد انزعجت كثيرا من الفهم المغلوط لمفهوم اخلاقيات المهنة، خاصة حينما تربط مهنة الاعلام بالأخلاق العامة في المجتمعات في وقت لا يوجد أي علاقة بين اخلاقيات الفرد المكتسبة من الثقافة السائدة واخلاقيات مهنة الاعلام وقواعدها المتفق عليها عالميا وتدرس في الجامعات.
فحينما يتم الحديث عن اخلاقيات مهنة الاعلام، نتحدث عن اصول وقواعد العمل الاعلامي التي تبدأ من ( الهرم المقلوب) وتمر بضرورة ذكر المصدر ( الكاتب) وصولا الى ضرورة التأكد من اعتماد الخبر الاعلامي على المصادر الاطراف في القصة المنشورة.
فمن الممكن ان يكون صحافي في مجتمع عربي مسلم، يسكر ويزني، وهذا حرام وعيب اخلاقي، لكن في ذات الوقت قد يكون صحافي مبدع ويقوم بعمله الاعلامي وفق كافة اصول المهنة وقواعدها، وهناك امثلة لدينا لا داعي لذكرها.
لكل مهنة اخلاقيات، وهذا الاخلاقيات مرتبطة ارتباطا وثيقا مع قواعد المهنة واصولها، بعيدا عن اخلاقيات وثقافات الشعوب، فالمحامي على سبيل المثال مهمته الدفاع عن المتهم باستماته حتى تبيان براءته، اذا تأكد انه بريء، لا ان يدافع عنه حسب ما يدفع له من اموال.
في بلادنا، وحسب الثقافة السائدة، ليس مسموحا ( اعلاميا) كتابة تفاصيل مقتل فتاة بحجة الدفاع عن الشرف، من الممكن ان نكتفي فقط بالإشارة الى انها قتلت على قضية الشرف، لا نسعى لمعرفة التفاصيل ولا ننشر من قتل ولماذا قتل مع اننا نعرف التفاصيل.
ما يجري عندنا في مثل هذه القضايا، فاننا نعلق فشلنا على الثقافة السائدة ( المانعة) مع اننا نعرف انه من الممكن ان نصل الى كافة الاطراف وان يعطونا رأيهم وننشر، لكن بسبب الكسل واللامبالاة نعلق فشلنا على علاقة الثقافة القائمة.
اخلاق مهنة الاعلام لا تعني شتم فلان لعلان، ولا تعني ان صحافي ضرب صحافي اخر، او سرقه، اخلاقيات مهنة الاعلام، وطالما اننا متفقون ( من الناحية النظرية) على ان الاعلام هو السلطة الرابعة، على قاعدة ان "من حق الجمهور ان يعرف" ، فهي تعني ان نلتزم بقواعد المهنة كي نرفع من نسبة ثقة الجمهور فيما ننشر.
فاذا كان مصدر الخبر ( الكاتب، او معد التقرير المتلفز ) معروف، واذا كانت المادة الاعلامية مستندة الى مصادر واضحة، متعددة الاطراف ( الراي والراي الاخر) حينما ستحظى المادة بما يعرف اخلاقيا ب"المصداقية" وترتفع نسبة الجمهور المتلقي لهذه المادة.
حينما ندفن سبب مقتل انسان، وننشر سبب اخر، رغم معرفتنا للسبب الحقيقي، فهذا كذب اعلامي وخيانة للمتلقي تتنافى كليا مع اخلاقيات المهنة.
حينما نسرق مادة اعلامية من موقع اخر وننشره دون الاشارة الى هذا الموقع، فهذه سرقة اعلامية تتنافى مع اخلاقيات مهنة الاعلام، حتى حينما يكون الحديث عن فكرة سمعها صحافي من زميل له وسبقه لشغلها فهذه سرقة اعلامية.
حينما نحول الهزيمة الى نصر ونقنع الجمهور بهذا النصر الوهمي الغير مستند الى أي معززات اعلامية، فهذه ايضا خيانة للجمهور مع سبق اصرار.
هناك اعلام حزبي واعلام موجه تمارسه السلطات القائمة، وهذا شأنها، وهو اعلام معترف به ومعروف مصدره الذي على الاغلب يكون غير مصدق لدى الجمهور الاخر، وهذا ليس حديثنا، وان حديثنا عن الاعلام المهني المحترف القائم على الحقائق والمعلومات المؤكدة وليس على اراء الصحافي المعد للتقرير او الخبر.
اجتياز الصحافي للحدود الاربعة ( الدين،الانظمة، اللوائح، القانون المدني) ممكن، لكن ليس على الطريقة الحالية، وانما على الطريقة التي حددتها اصول وقواعد مهنة الاعلام، بمعنى ان كانت قصة اعلامية اطرافها ( س، ص، ع) ولها علاقة باي من تلك الحدود، فبامكان الصحافي تخطي هذه الحدود بأمان، اذا تعامل مع ( س، ص، ع) على نفس المسافة، كما نصت عليه اخلاقيات المهنة، اما اذا مال لصالح ( س) على حساب الطرفين الاخرين فطبيعي ان يوجه اشكاليات ليس لشي، الا لأنه لم يلتزم بقواعد واخلاقيات مهنة الاعلام.
ولا يثبت هذه الاخلاقيات والالتزام بها الى القائمين على المؤسسات الاعلامية، لكن ان كان موقف رؤساء التحرير من اخلاقيات المهنة مثل موقفك، فلا اعتقد اننا سنخطو خطوة واحدة الى الامام.

حسام عزالدين
رئيس لجنة اخلاقيات وقواعد مهنة الاعلام
نقابة الصحافيين / 13-5-2016

No comments: