مع توالي الاحداث في الأراضي الفلسطينية وعلى أطرافها الجنوبية والشمالية والشرقية تحاول عديد من وسائل الاعلام الحصول على اراء الناس البسطاء الذين ليس لهم ناقة ولا بعير في تغيير الوضع السياسي، لكنهم وان لم يريدوا ذلك فانهم يتسمرون يوميا امام شاشات التلفاز متابعين لما يجري هنا او هناك مدركين تماما ان ما يجري يؤثر على حياتهم اليومية.
يخاف العامة قول رأيهم أمام وسائل الإعلام عن الشأن السياسي، رغم أن الحديث السياسي ضيف دائم على طاولاتهم في السهرات وفي اللقاءات، في الافراح والأتراح، كونهم من أوائل المتأثرين بأي عمل سواء أكان عمل عسكري أو سياسي.
التوجه العام لوسائل الاعلام، سواء العربية او العالمية بات يستهدف الناس الطبيعيين للاطلاع على آرائهم، ويبتعد عن السياسيين الذين ملتهم الكاميرات وملت تصريحاتهم.
" دشرني في حالي" و " والله مشغول" " لا والله ما بقدر اعلق" ، هذه إجابات لاحظها مراسلون صحافيون من المارة حينما طلب منهم التعليق على ما يجري من احداث، فما الذي يمنع الناس من قول رأيها بصراحة، حتى ولو كان مغايرا للرأي العام؟.
الوضع السياسي العام للمزاج الفلسطيني ينقسم الى اتجاهين، الأول يقول إن الاعتماد على العمل العسكري غير مجدي، ودليل ذلك ان كافة الفصائل الفلسطينية مارست العمل العسكري، ولم يثبت نجاعته لعدة أسباب، ومن أهمها غياب الدعم العربي الشامل للتوجه العسكري في مقاومة الاحتلال.
وفي هذا السياق، يبدي نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي تركيزا على الدمار الذي حل في غزة أو في جنين او طولكرم ، ليس لسبب إلا للقول " من تحت الطاولة" ان من تسبب بذلك هم أصحاب فكر العمل العسكري المدعوم من الخارج.
ويقول أصحاب الاتجاه الثاني المبني على تبني العمل الدبلوماسي في ملاحقة إسرائيل، ان العمل الدبلوماسي لا يقل (جهادية) عن العمل العسكري.
وفي هذا السياق، يعمل نشطاء الانترنت على الترويج لهذا الاتجاه بصور من الماضي عن مطار غزة او صور مدن غزة ومخيماتها قبل الدمار ، في محاولة للقول أن الحل الدبلوماسي جلب لنا شيئا.
لكن مؤيدوا العمل العسكري يقولون ان العمل الدبلوماسي لم يحقق دولة فلسطينية على الأرض، بلا خلال فترة ما بعد أوسلو زاد عدد المستوطنات وارتفعت نسبة الاعتداءات الإسرائيلية.
بعيدا عن التفاصيل، ومن هو محق في فكرته، فإن هذه هي القصة الفلسطينية اليوم، مناطحة بين الاتجاهين (النهج العسكري والنهج الدبلوماسي)، فلماذا الخوف من إعطاء الرأي الذي لا يمكن ان يخرج عن أي مما يتضمنه النهجين، عوضا على انه لم يعد خفيا أن المعركة الفكرية تدور حول الاتجاهين؟.
بالاستناد إلى احاديث خبراء اجتماعيين واقتصاديين وسياسيين فان خوف الناس، الغير منخرطين في أحزاب او منظمات (الطبيعيين)، من الإدلاء برأيهم يعود للأسباب التالية :
- كثير من الناس ارتبط وضعها المعيشي مع الرواتب التي تتقاضها من عملها لدى مؤسسات السلطة الوطنية، لذلك يفضل هؤلاء عدم إعطاء رأيهم خوفا من تأثر وضعهم الوظيفي، ومنهم من يتحدث مؤيدا للاتجاه الدبلوماسي، او تختار ( الغالبية) عدم الحديث.
- الثقافة السائدة في مساندة العمل الفدائي تدفع الى تأييد اعتماد اتجاه ( العمل العسكري)، دون أي اعتبار للنتائج المترتبة على هذا العمل ، لكن بالمقابل يسود تخوف لدى مؤيدي هذ الرأي في حال ادلوا برأيهم ان يؤدي الى الاعتقال او الملاحقة، لذلك هناك العديد من عمل على شطب صور مقاتلين عن اجهزتهم الخلوية خوفا من إيقاف مفاجئ من قبل قوات الاحتلال وكشف هذه الصور.
- غياب ثقافة احترام الرأي والرأي الاخر، وهو ما تتحمل مسؤوليته وسائل الاعلام المحلية في تغييب برامج حوارية عامة للحديث جهارة عن الخلاف القائم بين الاتجاهين.
- غياب الثقافة الإعلامية، عزز فقدان الثقة بوسائل الاعلام المحلية لدى عامة الناس خاصة في ظل الارتفاع الهائل في نسبة متابعة وسائل التواصل الاجتماعي مع وجود وعي، غير بسيط، بما يتم تداوله من صور واخبار مفبركة.
ليس المقصود في هذا المقال التحليلي، الخوض فيمن هو الاصح في رأيه، لكن الغاية هي الدفع نحو تعزيز ثقافة الحديث العلني أمام وسائل الاعلام حول القضايا العامة التي تهم كل فرد، ولا تهم السياسيين فقط.
وأولى الخطوات المطلوبة لتحقيق هذه الغاية تتحملها إدارة المؤسسات الإعلامية المحلية، وتحديدا المتلفزة، من خلال توفير مساحات نقاش واسعة بين الاتجاهين ليقولوا رأيهم بصراحة تامة أمام الكاميرات، وهذا الامر بالضرورة سيسهم في اسناد ثقافة حرية الرأي لدى الافراد لقول رأيهم بصراحة واحترام الرأي الاخر.
No comments:
Post a Comment