Sunday, September 27, 2015

( هل حرية التعبير لها حدود؟ )

تنشر هذه المقالة لمناسبة اليوم العالمي لأخلاقيات وقواعد الاعلام،٢٣-٣٠ من أيلول 
والسؤال المطروح هذا العام على المستوى العالمي
 ( هل حرية التعبير لها حدود؟ )


الفرق بين حرية التعبير والحريّة الإعلامية
ضمنت كافة الدول المتحضرة حرية التعبير لمواطنيها وفق قوانين تصب جلها لصالح الحريات العامة التي تنادي بها كافة المؤسسات الداعمة لحرية التعبير وحرية الرأي، لكن هذه القوانين اختلفت بين مجتمع وآخر ، غير انها في النهاية هدفت الى منح المواطنين حرية الرأي والتعبير سواء بالكلمة او بالصورة او بالكتابة( الحريات المدنية )، وفي المقابل منحت غالبية هذه القوانين حرية الآخرين الذين قد يساء لهم من خلال حرية التعبير هذه، كان يقوم شخص ما بشتم شخص اخر او تحقيره او اتهامه باشياء لم يقترفها،ومنحتهم حق التوجه الى القضاء لمقاضاة من شتمهم او سبهم او حقرهم ، وسواء الشاتم او المشتوم له الحق والحريّة في الشتم والتوجه الى القضاء ضمن منظومة صاغتها كل دولة لمجتمعها بحيث يتعامل البشر وفقها.
والإعلام هو جزء من حرية التعبير ، بمعنى ان حرية الاعلام إنما هي ركن أساسي من أركان الحريات التي تمنح في اي دولة، غير ان الخطأ الشائع الذي يقع فيه كثيرون هو الخلط بين الحرية المدنية للناس في التعبير عن ارائهم والحريّة الإعلامية التي يمكن تصنيفها بأنها شكل من أشكال الحريات غير انها مهنة ولقمة عيش لمن يعمل بها، وهي ايضا مغلفة بمسؤولية اجتماعية كبرى اكبر مما تغلف بها الحريات المدنية العامة . 
فالحرية الإعلامية التي نشأت وفق قوانين البلد الداعية الى الحريات، لها قوانين إضافية تختلف عن الحريات المدنية العامة وتجعلها اكثر أهمية، وهذا القوانين لا تنحصر في دولة عن دولة اخرى وإنما قوانين بمثابة قواعد أساسية تحدد اليات العمل الاعلامي السليم، وتصب في ان يكون أهمية للحريات الإعلامية تحصرها في المسؤولية الاجتماعية التي على الاعلام والاعلاميين التقيد بها.
التفسير البسيط للإعلام والصحافة ، انها ( السلطة الرابعة) بمعنى انها تأتي بعد السلطات الثلاثة ( التشريعية، القضائية، التنفيذية) ولكي تكون هذه السلطة اعلى مرتبة من السلطات الثلاثة كون أهميتها الوظيفية المراقبة على اداء السلطات الثلاثة الأخريات، ولأنها ( السلطة الرابعة ) عين الرأي العام ، اتفقت ادبيات الاعلام العالمية على جملة من القواعد على العاملين في المحال الاعلامي التقيد بها كي تعطي ثمارها المقصودة:
الرأي والراي الاخر .
الصدق وعدم المبالغة.
التأكد من المعلومة ( اكثر من مصدر ).
الموضوعية.
تجنب السرقات وذكر المصدر .
وهناك عديد من القواعد التي تأتي تفسيرا في انواع الاعلام المختلفة ( المكتوب، المرئي، المسموع) غير ان الأربع قواعد الأولى قد تعتبر العنوان الرئيسي للقواعد والعناوين الفرعية الاخرى التي يستند اليها الاعلام المهني المحترف.وقد يقول قائل ان للإعلام هدف يجب ان يصل اليه ويحققه، مثل دعم قضية ما سواء كانت اجتماعية او سياسية او اي منحى من مناحي الحياة، غير من يقل ذلك عليه العودة الى انواع الاعلام لانه سيجد شيء نوعا من الاعلام يدعى ( الاعلام الموجه) وهو نوع اصيل من الاعلام تستخدمه الحكومات والأحزاب والجمعيات فقط لخدمة أهدافها، وهذا النوع من الاعلام معترف به، غير انه لا يمثل الرأي العام بالقدر الذي يجب ان يمثله الاعلام المهني المستند الى القواعد سابقة الذكر .
في فلسطين، وخلال السنوات التي سبقت انشاء السلطة الفلسطينية ( بمؤسساتها الصحية والتعليمية والحياتية ) بمعنى حتى العام ١٩٩٥، تميز الاعلام الفلسطيني بانه إعلام ( موجه، تحريضي)، فمورس الاعلام المكتوب على الجدران من خلال الشعارات التي كانت تكتب على الجدران ضد الاحتلال، ومارست صحف ( الشعب، الفجر ، النهار ) صوت الثورة - إذاعة منظمة التحرير، إذاعة القدس في الانتفاضة الاولى، مارست كلها دورا تحريضيا لاستنهاض الرأي العام ضد الاحتلال .
غير ان الصورة اختلفت بعد العام ١٩٩٥، وابتعد الاحتلال وان كان ليس بعيدا عن حدود المجتمع الفلسطيني، غير انها ابتعد عن الشؤون الصحية والتعليمية والغذائية، وغابت وسائل الاعلام التحريضية تلك، ونشأت وسائل إعلام جديدة، منها المكتوب والمسموع والمرئي، وأعقب هذه النشأة التطور الهائل على وسائل الاتصال ومنها وسائل الاتصال الالكتروني، بحيث اصبح لكل مواطن وسيلته الإعلامية الموجهة والتحريضية ( لفكرته)، وهو الامر الذي وجب على الاعلام المهني المحترف رفع وتيرة التزامه بمعايير وقواعد المهنة اكثر من اي وقت مضى.
ولكي ينقذ الاعلام المهني نفسه من الغزو الهائل لوسائل الاتصال والإعلام الالكتروني، ولكي يبقي نفسه مميزا عن الحريات المدنية العادية، ولكي يقوم بمسؤوليته الاجتماعية في إطار العمل الاعلامي، فلا بد له من العودة آلى قواعد العمل الاعلامي التي يعرفها كل من درس الاعلام او تمرسه لسنوات طويلة، والالتزام بها كي يحظى الاعلام بثقة المتلقي وينافس المعلومات الهائلة المتدفقة عبر وسائل الاتصال الاجتماعي.
كل من يعمل وعمل في وسائل إعلام محلية يدرك تماما ان مستوى ثقة المتلقي ( الرأي إعلام المفترض ) بوسائل الإعلام المحلية متدني، وهذا يعود بالدرجة الاولى الى ابتعاد وسائل الاعلام المحلية عن الصدقية والشمولية في متابعة قضايا الناس الحياتية اليومية، وان حاولت بعد وسائل الاعلام التقرب من المتلقين في اكثر من مناسبة.
ولا يمكن رفع نسبة ثقة المتلقي بوسائل الاعلام المحلية، الا في حال اقتنع المتلقي ان وسائل الاعلام هذه تبذل جهدا كبيرا في ملاحقة المعلومة والتدقيق في صحتها قبل ان يقدمها للمتلقي، وهذا كله لن يقوم الا في حال التزمت وسائل الاعلام في قواعد واخلاقيات العمل الاعلامي، ليس من قبل الصحافيين فقط، وإنما من قبل القائمين على وسائل الاعلام، رؤساء تحرير ومحررين.

حسام عزالدين 
رئيس لجنة اخلاقيات وقواعد المهنة 
نقابة الصحافيين الفلسطينيين
٢٦-٩-٢٠١٥

ezzedine.hossam@gmail.com

No comments: